أرجعوا لنا ساعتنا

أرجعوا لنا ساعتنا

إبانة24: متابعة

أرجعوا لنا ساعتنا

منذ سنوات، ومع إقرار الساعة الإضافية بشكل دائم في المغرب، أصبح هذا القرار أكثر من مجرد تغيير بسيط في التوقيت، بل رمز واضح لاستمرار حالة التبعية التي ما زالت تربط المغرب بالمستعمر الفرنسي، حتى بعد مرور عقود على استعادة الاستقلال الوطني، ففي الوقت الذي يدعي فيه المسؤولون أن هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز الاقتصاد وتحسين الإنتاجية، فإن الواقع يكشف عن حقيقة مختلفة تماما: إنها محاولة لإبقاء المغرب ضمن نطاق النفوذ الفرنسي، حتى لو كان ذلك على حساب الراحة والرفاهية اليومية للمواطنين.

ومع انعتاق المغاربة من ساعة الاستعباد المقنعة بكل ما تلوكه الحكومة من مبررات واهية، واستعادة نشاطهم الطبيعي مع العودة إلى “الساعة القانونية” البيولوجية، فهم شهود على الضرر الذي ألحقته الساعة الإضافية بحياتنا وحياة أطفالنا اليومية، إنها ليست مجرد ساعة إضافية، بل هي تعبير عن انتهاك للإيقاع البيولوجي الطبيعي لأجسامنا، وإجبار على العمل والتصرف بما يخدم جدول زمني لا علاقة له بظروفنا المحلية أو احتياجاتنا الحقيقية.

ما يثير الغضب ليس فقط التأثير السلبي على الصحة والنفسية، وإنما أيضا الطريقة التي تم بها تقديم هذا القرار للمغاربة، قيل لنا إن هناك “ربحا هزيلا” في تكلفة الطاقة، وعن أي طاقة يتحدثون مع اعتماد المغرب في إداراته للتوقيت المستمر، يبتدئ وينتهي في ضوء النهار، كما لم يتم تقديم أي دراسة موثوقة تثبت هذه الفرضية، حتى لو كانت هذه المزاعم صحيحة، هل يمكن جدلا أن تكون تكلفة توفير بعض الملايين من الدراهم أثمن من سعادة المغاربة صغارا وكبارا واستقرار حياتهم؟

بالنظر إلى الأسباب الرسمية التي قدمتها الحكومة لتبرير الساعة الإضافية، يتضح أن الهدف الأساسي هو “تقريب إيقاع العمل بين المغرب وأوروبا“، لكن لماذا هذا التقريب؟ هل لأن الشركات الفرنسية والأوروبية ترغب في تسهيل التواصل مع شركائها المغاربة؟ أم لأن المغرب ما زال يعتبر نفسه خاضعا لنظام اقتصادي مستورد من المستعمر القديم؟

الحقيقة المؤلمة هي أن هذه السياسة تجعل من المغاربة خداما لأسيادهم السابقين، بدلا من أن يأتي الأوروبيون إلينا ويستثمروا في بلدنا بما يناسب طموحاتنا الوطنية، نحن من نهرول نحوهم، مستجيبين لكل متطلباتهم دون نقاش أو اعتراض، يبدو وكأن التاريخ يعيد نفسه، ولكن بطريقة أكثر براغماتية وخفة ظل، إنه الضحك على جمهور المغاربة.

على المستوى الدولي، نجد أن العديد من الدول بدأت تتخلى عن فكرة التوقيت الصيفي، ناهيك عن تبني توقيت إضافي طوال العام، هذه الدول سواء كانت متقدمة أو نامية، تدرك أهمية الحفاظ على إيقاع طبيعي للحياة اليومية، خاصة وأن التغيرات الجذرية في التوقيت قد تؤدي إلى مشاكل صحية واقتصادية خطيرة، أما بالنسبة للمغرب، فلا يوجد سوى مبرر واحد لهذا القرار: الرغبة في تقليد أوروبا بكل تفاصيلها، حتى لو كان الثمن باهظا، حتى لو كان الثمن صحة وسعادة المغاربة بكل أعمارهم.

ما يجعل هذا الموضوع أكثر إثارة للقلق هو أنه يتجاوز الجانب الاقتصادي ليصل إلى مستوى الخضوع الثقافي والسياسي، كيف يمكننا أن نتحدث عن سيادة وطنية بينما نقبل بتغيير ساعتنا الزمنية بناء على رغبة الآخر؟ الذي لا يعدوا أن يكون مستعمر الأمس، وكفى بها حمولة سلبية للأمر.

إن الساعة الإضافية ليست مجرد ساعة من 60 دقيقة، بل هي رمز لقبولنا بالتبعية، وللخضوع لسياسات تأتي من الخارج دون أن نفكر في مصالحنا الخاصة، إنها دليل آخر على أن الطريق نحو الحرية الحقيقية والمطلقة ما زال طويلا، وأن الطابور الخامس يجثم على رقاب المغاربة ويفرض عليهم تبعية تسوقهم مرغمين إلى أعتاب مستعمر الأمس، ترغيبا وترهيبا.

في النهاية، يمكن القول إن الساعة الإضافية ليست مجرد قرار إداري أو اقتصادي، كما يروج ويقال، إنها جزء من نظام أوسع يسعى إلى إبقاء المغرب في إطار النفوذ الفرنسي الفرنكفوني، حتى ولو كان ذلك على حساب سعادتنا وراحتنا لقد آن الأوان لنقول كلمتنا بصوت عال: “أرجعوا لنا ساعتنا”، نريد إيقاعنا الخاص، ونريد أن نعيش بحرية بعيدا عن أشباح الماضي.

اقرأ أيضا:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 فكرة عن “أرجعوا لنا ساعتنا”

Scroll to Top