إبانة24: متابعة
الحلال والحرام مطالب وهبي ومؤسسة وإمارة المؤمنين
1- الخطاب الملكي.. “لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله”
قال الملك محمد السادس، في خطاب عيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2022، “لن نتمكن من رفع التحديات الداخلية والخارجية،
إلا بالجمع بين روح المبادرة ومقومات الصمود، لتوطيد الاستقرار الاجتماعي، والنهوض بوضعية المرأة والأسرة؛ وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني”.
وأضاف الخطاب الملكي: “حرصنا منذ اعتلائنا العرش، على النهوض بوضعية المرأة، وفسح آفاق الارتقاء أمامها،
وإعطائها المكانة التي تستحقها. ومن أهم الإصلاحات التي قمنا بها، إصدار مدونة الأسرة،
واعتماد دستور 2011، الذي يكرس المساواة بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات،
وينص على مبدأ المناصفة، كهدف تسعى الدولة إلى تحقيقه”.
وتابع أنه “إذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية؛
لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها”.
ومما أكده الخطاب أن “مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛
وإنما هي مدونة للأسرة كلها، فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال”.
وشدد الملك في خطابه على أنه “بصفتي أمير المؤمنين، فإنني لن أحل ما حرم الله،
ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”.
واسترسل: “من هنا، نحرص أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي،
مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية”.
كما دعا جلالته إلى “العمل على تعميم محاكم الأسرة، على كل المناطق، وتمكينها من الموارد البشرية المؤهلة،
ومن الوسائل المادية، الكفيلة بأداء مهامها على الوجه المطلوب”.
2- مصطفى بن حمزة يعلق على الخطاب الملكي
علق الدكتور مصطفى بنحمزة، في الحلقة الأولى من سلسلة حلقات خصصها لمناقشة مدونة الأسرة،
بقوله إنه في خطاب جلالة الملك، “مفاصل ومقاطع متعددة، لكن المقطع القوي الذي لم يحظ بما كان يجب أن يحظى به
من عناية ومن تحليل هو تنصيص جلالة الملك صراحة وقوله: إني لن أحل حراما ولن أحرم حلالا”.
وأضاف صاحب كرسي “أصول الفقه”: “هذا طبعا تنصيص مفيد جدا ويأتي في لحظته،
في لحظة يُحدِّث فيها بعض الناس أنفسهم بأنه بالإمكان أن يُذهب في المغرب إلى تغيير أحكام شرعية
قارة يعرف العالم الإسلامي كله وثوقيتها وأنها تستند إلى نصوص شرعية قطعية”.
وأوضح أنه “في هذا القول، “إني لن أحل حراما ولن أحرم حلالا”، يستند جلالة الملك إلى حديث نبوي متفق عليه
أخرجه البخاري في باب “فرض الخمس”، وأخرجه مسلم كذلك في باب “فضائل فاطمة”،
فهو إذن من أقوى الصحيح حينما يكون الحديث متفقا عليه واتفق عليه البخاري ومسلم خصوصا، فهو من قبيل الصحيح الذي لا غبار عليه”.
وأكد الدكتور بنحمزة أن “سبب ورود الحديث أن فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
اشتكت إلى أبيها أن عليا رضي الله عنه ربما تحدث أو أزمع أن يتزوج عليها، فجاءت تشكو ذلك،
فكان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم له شعب وامتدادات كثيرة، فقد قال: “إن فاطمة مني،
وإني أتخوف أن تفتن في دينها”، وهذه جملة ليست جملة عرضية وإنما هي جملة لها معناها.
لأن هذه المرأة التي كان أهلها يريدون تزويجها لعلي هي بنت أبي جهل،
وهو العدو اللدود الذي تحفظ أسرته عداوة مضمرة لأسرة النبي صلى الله عليه وسلم”.
إن فاطمة مني
واسترسل الدكتور ساردا: “طبعا هذه الأسرة لا يمكنها أن تسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة،
ولكنها قد تعبُر إليه من خلال الإساءة إلى فاطمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن فاطمة مني”،
أي يمكن أن يُمَرّ إلي من خلال إذايتها، وهو توقع واستطلاع وهو أمر معروف”، مضيفا:
“ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعد ذلك “إني لست أحل حراما”، ولست أفعل ما يطلب في هذا المجال،
أي إذا كانت فاطمة تريد شيئا من ذلك فهذا ليس لي، وإنما قال بإمكان علي أن يطلق فاطمة ويكون له ما شاء.”
وتابع رئيس المجلس العلمي بوجدة شارحا الحديث: “لكن هذا لم يكن منعا للحكم،
فربما كانت فاطمة تنتظر حكما بمنع علي من الزواج بأخرى، فلم يوافق النبي صلى الله عليه وسلم،
وإنما قال إن لعلي أن يطلق فاطمة لسبب معين وهو الضرر. والتطليق للضرر كان دائما ولا زال إلى الآن، الضرر الحقيق أو المتوقع.”
وأكد: “لكن صلب الحديث هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إني لست أحل حراما”.
هذه الجملة جملة معبرة تنتظم فيما تنتظم النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من العلماء والحكام وكل المسلمين،
ليس لواحد منهم أن يحل شيئا حرمه الله أو أن يحرم شيئا أحله الله، ذلك بأن الدين في أصله هو وضع إلهي وليس وضعا بشريا، وهكذا يعرف الدين، الدين وضع إلهي قائد لذوي العقول باختيارهم إلى خير الدنيا والآخرة.”
3- موقف وزير العدل
قال عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، خلال مداخلة له بلقاء نظمته مؤسسة “الفقيه التطواني”، إن “المقولة التي جاءت في خطاب العرش، والتي قال فيها الملك محمد السادس، “لا أحل حراما ولا أحرم حلالا”، تم توظيفها توظيفات سياسوية حرفتها عن روحها، رغم أنها معبرة عن الشرعية ووظيفة تأطير الاختلاف.”
وزاد وهبي أن “الاحترام اتجاه الملك، يقتضي من المفكرين والسياسيين والباحثين، عدم التعامل مع خطب الملك، بنوع من الانتقائية، أو لتصفية حسابات سياسية ضيقة، فالملك يخاطب الأمة وخطبه مكملة، ولا تسعى للجزئيات”.
وتابع ذات الوزير أن “خطب الملك لا يتم اقحامها ضمن صراعات سياسية ضيقة، يسعى إليها أصحاب المصالح السياسية، فالمغاربة يتفهمون خطب الملك، ولا يمكن المزايدة عليهم”.
وقال: “هذا التوظيف يتم باسم الدفاع عن الحق، بينما هو سلوك يراد به باطل، وحجة من أجل إيقاف مساعي الحرية والنقاش بين المواطنات والمواطنين، ورفع الظلم والحيف عن فئات المجتمع، الذين في حالة الاختلاف يحتكمون لإمارة المؤمنين”.
وأردف وهبي أن “هناك إشكالات كبرى تطرح نفسها، وما أستهدفه ليس نصرة اتجاه على اتجاه، بل هو فتح الحوار، وإعطاء الرأي، فالمغرب كان دائما سباق للنقاش والحوار”.
مضيفا أن “المجال الديني ليس حكرا على أي كان، فمرة طرحت على مجموعة من الضيوف بينهم فقهاء، سؤال، هل يجوز إلغاء التعصيب وتعدد الزوجات، فاختلفنا في الشق الديني، وفي المجال الواقعي اتفقنا”.
4- الصمدي يرد على وهبي.. “العبارة محكمة لا تقبل أي تأويل”
وعلق الأكاديمي والوزير المنتدب السابق د. خالد الصمدي على وهبي بقوله: “في مرافعه عن منظوره للحريات الفردية قفز وهبي قفزة حرة في الهواء دون قياس القعر فسقط ثلاث سقطات مدوية”.
وأضاف الصمدي على صفحته بـ”فيسبوك”: “أولها أنه دعا إلى ضرورة التفريق في معالجة الموضوع بين الدين وفهم الناس للدين ، حتى إذا دخل الى صلب الموضوع وشرع في التأصيل والتحليل لم يعرض علينا في نهاية المطاف سوى فهمه للدين فسقط في ما نهى الناس عنه”.
وزاد: “ثانيها أنه حاول التأصيل للحريات الفردية في الإسلام فصال وجال بين الآيات القرآنية، ولما لم يجد فيها المجال الذي يبحث عنه سكت عنه، ولو زاد بحثا لوجد قوله تعالى “ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا” فسقط في قوله تعالى “أفتومنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض”.
وتابع التربوي المغربي: “ثالثها أنه سمح لنفسه بكل جرأة بوضع متن شارح ومقيد على الجملة الشهيرة الواضحة التي قال فيها جلالة الملك”، بصفتي أميرا للمؤمنين لا يمكنني أن أحل حراما ولا أحرم حلالا”. ومع أن العبارة محكمة لا تحتمل أي تأويل وأن جلالة الملك هو الأحق حصريا بتحديد معناها نظريا وتطبيقيا، فإن وهبي سمح لنفسه أن يأولها بالتحكيم عوض الحكم الذي يصدره جلالة الملك بصفته الدينية وهو يصادق على ما رجح لديه من فتاوى العلماء في كل ما يعرض عليهم جلالته من قضايا يميزون فيها بالنص والاجتهاد المتعدد الانظار بين الحلال والحرام”.
وقال الصمدي: “وحين شعر بعدم الاقناع في كل ما ذهب إليه من تأويلات ختم كلمته في انزعاج ظاهر حين قال إن الحقل الديني يحتاج الى تجديد”.
وختم الصمدي تدوينته بالقول: “بقي أن أقول إنني فضلت في كلمة وهبي أن أقرأ المكتوب كما وصلني، أما المنطوق الذي سمعته دون أن أتوقف عن الحوقلة، فهو كبة من الأخطاء لا تليق بأجهل الجاهلين بآيات الكتاب المبين”.
5- آراء ومواقف تطالب بتدخل المجلس العلمي الأعلى
طالب عدد من الفاعلين والأكاديميين بتدخل المجلس العلمي الأعلى في موضوع المطالب التي يرفعها وزير العدل والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، والتي تهم تعديلات تخص القانون الجنائي ومدونة الأسرة.
وفي هذا الصدد طالب د.يوسف فاوزي، أستاذ الشريعة بجامعة ابن زهز بأكادير، المجلس العلمي الأعلى والسادة العلماء بأن يعلقوا على تصريحات وزير العدل؛ وتساءل: “أين هي حماية الأمن الروحي للمغاربة؟؟!!!”
وكتب د. البشير عصام المراكشي “موضوع عمل الفقيه الحكمُ الشرعي لأقوال الناس وأفعالهم، ومنها ما يتعلق بقضايا الحكم والسياسة. فمطالبة بعضهم الفقهاءَ بترك الحديث في السياسة جهل بالشرع، وتحقير لمقام الفقه، وعلمنة للدين”.
وأضاف مدير مركز إرشاد للدراسات والبحوث “الخطير أن جمعا من فقهاء العصر هم الذين سوغوا لأمثال هؤلاء تطاولهم، بطول سكوتهم عن الحق في السياسة فما دونها، وتركِهم وظائف العلماء، وانزوائهم عن واقع الناس، حتى ظن الجهلة انحصار عملهم في المساجد!”.
د.رشيد بنكيران، أستاذ الفقه وأصوله، تساءل بدوره “إلى متى!؟”، وأضاف في تدوينة على صفحته بالفيسبوك “كان يفترض -أمام هذه الهجمة الشرسة المنظمة على ما تبقى من أحكام الشريعة- أن تجتمع التيارات الدينية والجماعات الإسلامية حول خطة عمل ممنهجة تدافع من خلالها عن شرع الله”.
وزاد د. بنكيران: “فإذا كانت المنح الربانية (نصوص الوحي) لم تكف لجمع كلمة الإسلاميين وتوحيد أصحابها… وإذا كانت المحن اللادينية (اللبرالية والحداثة) لم تكف لرص صف الإسلاميين وتوحيد موقفهم… فبكل صراحة أقولها: لا خير في هذه التيارات والجماعات الإسلامية ما لم تتحد ضد تلك الهجمات المنظمة”.
وتساءل: “أين التيار السلفي بأطيافه المتنوعة!؟ أين حركة الإصلاح والتوحيد!؟ وجماعة عدل الإحسان الغائب في السرداب!!؟؟ أين؟وأين؟ للأسف، لا تجمعكم لا المنح ولا المحن، فماذا سيجمعكم إذاً!؟ يا قوم لا تتكّلموا إن الكلام محرَّم.. ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلاّ النُوَّم”.
6- قول الفقيه.. كيف يعرَف الحرام والحلال؟
يعرَف الحلال والحرام في الشريعة بـ”استنباط الأحكام بعد نظر سديد في الدليل الشرعي”، ولا يفتقر هذا النظر إلى معيار بل تأسس على قواعد هي “دلائل الفقه الإجمالية” بتعبير ابن السبكي في جمع الجوامع، تختلف المذاهب حول بعض جزئيات هذه القواعد، أو في الأخذ ببعضها من عدمه، إلا أنها تتفق جيعا في الأساسي والجوهري منها، وهو ما يسمى ب”القواعد المتفق عليها”. الحلال والحرام إذن بمعيار، لا بهوى.
ولما كانت لكل العلوم معايير، وكان لمعاييرها متخصصون، كذلك شأن الشريعة، لها علوم ولها مختصون؛ يقول أبو الطيب مولود السريري: “شعار أرباب النظر أولئك هو أن العلوم لها قواعدها وضوابطها، وأن لكل علم أهله الذين يعلمون خباياه وأسراره وقوانينه، فلا تسيب في ميدان المعارف والعلوم”. (السريري، القانون في تفسير النصوص، ص 4)
“تفسير النصوص الدينية” علم يحتاج مجموعة قواعد، لأهميتها كانت وما زالت محل اهتمام أهل الفقه وأصوله؛ ونظرا لما وقع في هذا الاهتمام من ضعف وتراجع، فقد تداعى على نصوص الدين غير مختصين يؤولونها حسب أهوائهم وآرائهم الخاصة.
ومن أهم الركائز التي ينبني عليها “تفسير النصوص”، نجد ما يسمى في كتب الأصول بـ”مباحث الدلالة”؛ وقد اهتم به أهل العلم أيما اهتمام تأليفا وتدريسا وإعمالا في الممارسة الفقهية. و”في هذا الزمان نسي وهجر جهلا به، وبمكنوناته، فبات الناس عزلا، لا سلاح معهم في هذا الموضوع، فهوجموا فيه، فاضطربت عقولهم، وماجت، ووقعوا في بلبلة وتشتت نظر، وفي خصام، وترام بالكلمات الجارحة للقلوب”. (نفسه، ص6).
اقرأ أيضا:
قرار تاريخي و غير مسبوق من الفيفا
اللهم صيبا نافعا.. تساقطات رعدية بهذه الجهات
المدونة من يمعن في إقصاء العلماء من النقاش العمومي؟
السلطان عبد الحميد وأطماع الصهاينة في القدس
دور الحركة الصهيونية في سقوط الخلافة العثمانية
المدرسة المغربية ومسلسل الإصلاح.. متى ينتهي الارتباك؟
تسريبات تعديل المدونة ومطالب بفتح تحقيق
محلل المغربي بنيج على”بي إن سبورتس” ينفعل على المباشر بسبب مخرج نهائي الكونفدرالية (فيديو)