إبانة24: رأي
السلطان عبد الحميد وأطماع الصهاينة في القدس
إن الحديث عن مواقف السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله من أطماع الصهيونية العالمية،
لا تكفي فيها كلمات قليلة معدودة بل يحتاج إلى مؤلفات للإحاطة بهذه القضية المصيرية في كينونة الأمة الإسلامية في الشرق.
لقد جاء هذا السلطان العثماني في حقبة اتسع فيها الخرق على الراقع، وتغول فيها اليهود بأطماعهم الاستعمارية في مفاصل الدولة،
وخير مثال على ذلك مدحت باشا، ماسوني من يهود الدونمة، كأنموذج للكيد بالدولة من الداخل،
الذي ارتقى في السلم الإداري حتى أصبح صدرا أعظم (رئيس الوزراء)، واستطاع الإطاحة بالسلطان عبد العزيز بمساعدة بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
السلطان الداهية
وفطن السلطان الداهية عبد الحميد الثاني بعلاقة مدحت باشا المشبوهة بإنجلترا، حيث أمر بإقالته،
وحُكم عليه بالإعدام للخيانة العظمى، لكن لأهمية هذا العميل، ضغطت الدول الأجنبية حيث اقتصر الحكم على النفي فقط.
وحتى نتبين جلالة هذا الموقف من هذا السلطان، نلمح إلى أمرين يتعلقان به، واحد عنده علاقة زمانية والثاني له علاقة مكانية،
فبالنسبة لزمانية الموقف وقوعه في حقبة تاريخية كانت الدولة فيها تحتضر، حيث شهدت ضعفا ظاهرا،
واحتياجا شديدا للدعم المالي والسياسي، حتى أسميت ب”الرجل المريض”، أما العلاقة المكانية فهي أرض القدس،
التي كانت الأطماع الصهيونية تشرئب إنشاء كيانها فيها وتملكها بأي ثمن، وهذا ما زاد من قيمة هذا الموقف، وأبرز نخوة هذا السلطان العثماني رحمه الله.
عدم توطين اليهود في فلسطين
كان السلطان عبد الحميد رحمه الله يرى أنه من الضروري عدم توطين اليهود في فلسطين،
حيث يقول “ولكن لدينا عدد كافٍ من اليهود، فإذا كنا نريد أن يبقى العنصر العربي متفوّقا،
علينا أن نصرف النظر عن فكرة توطين المهاجرين في فلسطين، وإلا فإنّ اليهود إذا استوطنوا أرضا،
تملّكوا جميع قدراتها خلال وقت قصير، ولذا نكون قد حكمنا على إخواننا في الدين بالموت المحتَّم”.
وحسم السلطان عبد الحميد في محاولات كبير الصهاينة هرتزل في رسالة إلى نيولنسكي صديق هذا الأخير قال فيها:
“انصح صديقك هرتزل، ألا يتخذ خطوات جديدة حول هذا الموضوع، لأني لا أستطيع أن أتنازل عن شبر واحد من الأراضي المقدسة،
لأنها ليست ملكي، بل هي ملك شعبي، وقد قاتل أسلافي من أجل هذه الأرض، ورووها بدمائهم،
فليحتفظ اليهود بملايينهم، إذا مزقت دولتي، فمن الممكن الحصول على فلسطين بدون مقابل،
ولكن لزم أن يبدأ التمزيق أولا في جثتنا، ولكن لا أوافق على تشريح جثتي وأنا على قيد الحياة”.
إخفاق كل جهود هرتزل
وبعد إخفاق كل جهود هرتزل بواسطة نيولنسكي، وخاب مسعاه اشتد العداء ضد الخلافة العثمانية وهذا ما كان يتوقعه السلطان عبد الحميد،
لأن اليهود قوم يتقنون العمل المنظم، وكانت لديهم قوى عديدة تضمن لهم النجاح في مسعاهم،
فالمال متوفر لديهم، وكانوا يسيطرون على أهم العلاقات التجارية الدولية، وكانت صحافة أوروبا في قبضتهم، فكان في مقدورهم إطلاق العواصف التي يريدونها لدى الرأي العام متى شاءوا، حسب المؤرخ التركي محمد أورخان.
وهذا المكر هو ما تم بالفعل حيث ساهم يهود “الدونمة” في ثورة 1908، وكان إيمانويل قره صو (أحد الدونمة) عضوا بارزا في جمعية الاتحاد والترقي، أحد أفراد الوفد الثلاثة الذين أبلغوا السلطان عبد الحميد خبر عزله عام 1909، وكان سجن السلطان بعد ذلك في منزل موشيه الأتيني من “الدونمة” أيضا، وفي عام 1923 أعلنت الجمعية الوطنية التركية قيام الجمهورية في تركيا، وانتخبت مصطفى كمال أتاتورك اليهودي المغولي، وكان يهود الدونمة من أشد مسانديه في الوصول إلى الحكم.
فماذا لو وافق السلطان عبد الحميد على صفقة الصهاينة وقبض الثمن؟!