إبانة24: متابعة
المصالحة المرتقبة: هل تنهي زيارة ماكرون سنوات التوتر بين المغرب وفرنسا؟
تعتبر العلاقات المغربية الفرنسية إحدى أبرز العلاقات الثنائية في منطقة شمال إفريقيا، حيث تجمع البلدين روابط تاريخية وثقافية وسياسية عميقة،
رغم هذه الروابط، شهدت العلاقات بين البلدين العديد من التوترات التي كانت تتراوح بين الدبلوماسية والسياسية وصولاً إلى قضايا الأمن والتجسس،
في هذا المقال، سنتناول أهم المحطات التي مرّت بها العلاقات المغربية الفرنسية، والتحديات التي واجهتها، وآفاق المصالحة بعد دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزيارة المغرب.
في عام 2014، وقعت حادثة دبلوماسية غير مسبوقة عندما طرق عناصر من الأمن الفرنسي مقر إقامة السفير المغربي في باريس.
كان السفير يستضيف حينها عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني والمخابرات المغربية،
الذي تم استدعاؤه بموجب شكاية تلقاها القضاء الفرنسي. كان هذا الحدث نقطة تحول في العلاقات بين البلدين.
حاولت فرنسا الضغط على المغرب من خلال ما يسمى بـ”الاختصاص الكوني للقضاء الفرنسي”،
حيث سمح هذا النظام القضائي بمحاكمة أفراد ومسؤولين مغاربة على أراضٍ فرنسية بسبب تهم تتعلق بجرائم مزعومة ارتكبت في المغرب،
لكن هذه السياسة لم تؤد إلى النتائج المتوقعة.
بعد سنوات من التفاوض الشاق، تمكنت الرباط وباريس من التوصل إلى اتفاقية ثنائية عام 2015، هذه الاتفاقية،
التي وقعها وزيرا العدل في البلدين، قضت بتقييد هذا “الاختصاص الكوني” وإحالة القضايا المتعلقة بأفعال ارتكبت في المغرب إلى القضاء المغربي.
كان هذا إنجازًا مهمًا للحكومة المغربية وفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية.
في بداية 2020، تفاقمت الخلافات بين البلدين بعدما تداولت تقارير عن استخدام المغرب لبرنامج “بيغاسوس” للتجسس على مسؤولين فرنسيين،
بما في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نفت الرباط هذه الادعاءات بشدة، لكنها زادت من حدة التوترات بين البلدين.
في عام 2021، قررت فرنسا تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين المغاربة كرد فعل على ما وصفته بعدم تعاون المغرب في استقبال المهاجرين غير الشرعيين،
أثار هذا القرار استياء المغرب، حيث تم اعتباره محاولة للتغطية على الخلافات الاستراتيجية بين البلدين.
إلى جانب الأزمة الدبلوماسية، تأثرت مجالات أخرى من التعاون المغربي الفرنسي، أبرزها قطاع التعليم والثقافة،
حاول المغرب الحد من الهيمنة الفرنسية على منظومته التعليمية والجامعية، مما زاد من تعقيد العلاقات،
كما شهدت العلاقات الاقتصادية توترات على خلفية تقلص حصة الشركات الفرنسية من الاستثمارات والمشاريع في المغرب.
ظلّت قضية الصحراء المغربية على مدى سنوات نقطة خلاف جوهرية بين المغرب وفرنسا،
ورغم أن فرنسا حافظت على موقف غامض تجاه دعم خطة الحكم الذاتي المغربية،
إلا أن الرباط كانت تطالب بموقف واضح شبيه بالموقف الأمريكي الذي أعلن في نهاية 2020 اعترافه بسيادة المغرب على الصحراء.
أخيرًا، أعلنت باريس مؤخرًا، من خلال بلاغ للديوان الملكي المغربي، اعترافها الرسمي بمغربية الصحراء،
هذا الاعتراف شكل تحولاً في العلاقات بين البلدين، حيث تم اعتباره خطوة نحو المصالحة وفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية.
تأتي الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب في شهر أكتوبر 2024 في سياق هذا الاعتراف بمغربية الصحراء، توقيت الزيارة لا يبدو اعتباطيًا، حيث يتزامن مع إصدار القرار السنوي لمجلس الأمن الدولي حول نزاع الصحراء.
كان الاتفاق الثلاثي الذي وقع بين المغرب والولايات المتحدة و”إسرائيل” عام 2020 بمثابة تحدٍ جديد لفرنسا، حيث رفعت الرباط سقف مطالبها تجاه باريس، مطالبة بموقف واضح من قضية الصحراء، خصوصًا في ظل الدعم الدولي المتزايد لموقف المغرب.
يتوقع أن تكون أحد الملفات الرئيسية التي سيناقشها ماكرون خلال زيارته المرتقبة إلى المغرب هو مشاريع البنية التحتية المرتبطة بكأس العالم 2030، حيث تسيل لعاب الشركات الفرنسية لهذه الصفقات، يتوقع أن يتم إبرام العديد من العقود والاتفاقيات الاقتصادية خلال هذه الزيارة.
رغم التوترات، لا يزال التعاون الأمني بين المغرب وفرنسا عنصرًا أساسيًا في العلاقات الثنائية، سواء في مجال مكافحة الإرهاب أو قضايا الهجرة غير الشرعية، يستمر التنسيق الوثيق بين الأجهزة الأمنية في البلدين.
لم يكن من الممكن تجاهل دور الجزائر في توتر العلاقات بين المغرب وفرنسا، حيث حاولت باريس الموازنة بين علاقتها مع الجارين، لكن بعد اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء، يبدو أن التوازن الدبلوماسي سيشهد تغييرات كبيرة في المستقبل.
لم تكن الحكومة الفرنسية وحدها الفاعل الرئيسي في توتر العلاقات مع المغرب، بل كان للبرلمان الفرنسي دور كبير في تأجيج الخلافات، خاصة فيما يتعلق بالتحقيقات حول التجسس وقضايا حقوق الإنسان.
مع الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي وما تحمله من اتفاقيات ومباحثات، يتوقع أن تشهد العلاقات المغربية الفرنسية تحسنًا ملحوظًا، لكن يبقى السؤال: هل ستتمكن الدولتان من تجاوز إرث الماضي والدخول في مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي؟
العلاقات المغربية الفرنسية، رغم ما شهدته من توترات وخلافات، تظل علاقات قوية ومتجذرة، مع الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء والزيارة المرتقبة للرئيس ماكرون، يبدو أن هناك بوادر لمصالحة حقيقية بين البلدين، الأيام القادمة قد تحمل مفاجآت جديدة فيما يتعلق بتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين الرباط وباريس.
المصالحة المرتقبة: هل تنهي زيارة ماكرون سنوات التوتر بين المغرب وفرنسا؟