إبانة24: متابعة
انقلاب تاريخي في العلاقات المغربية-الفرنسية “لاسيل سان كلو2”
تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 2024، تحت قبة البرلمان المغربي، عن مجموعة من المواضيع المهمة،
لكن أبرز ما جاء على لسانه هو دعوته للملك محمد السادس لزيارة فرنسا احتفالاً بمرور 70 عاماً
على توقيع إعلان “لاسيل سان كلو” في نوفمبر من العام المقبل، حيث وافق الملك على هذه الدعوة،
ومن المقرر تشكيل لجنة مشتركة لإعداد إطار استراتيجي جديد للعلاقات بين البلدين،
الذي سيتم التوقيع عليه خلال الزيارة. وهذا يعكس بداية مرحلة جديدة في العلاقات المغربية الفرنسية.
تشير هذه الدعوة إلى تحول جذري في طبيعة العلاقة بين البلدين، خصوصاً بعد انتهاء معاهدة الحماية واستقلال المغرب.
فبالرغم من بقاء العديد من الاتفاقات في الظل منذ منتصف الخمسينات، فإن هذه الخطوة تمثل تحسناً ملحوظاً في العلاقات الثنائية.
يتعلق الأمر بإعلان تاريخي تم التوقيع عليه من قبل الملك الراحل محمد الخامس ووزير الخارجية الفرنسي آنذاك، أنطوان بيني،
في 6 نوفمبر 1955، بعد عودة السلطان المغربي من منفاه في مدغشقر.
كانت فرنسا تسعى لتفادي تصاعد التوترات في المغرب ومنع قادة جيش التحرير من الانضمام إلى النزاع في الجزائر.
بعد ضغوط المقاومة المتزايدة، اضطرت فرنسا إلى البحث عن حل سريع مع محمد الخامس،
وتمثل هذا الحل في الإعلان الذي نص على التزام متبادل:
استعداد فرنسا لمنح المغرب الاستقلال، والتزام محمد الخامس بالتفاوض حول صيغة للتعاون الحر بين البلدين،
مما يعني استمرارية المصالح الفرنسية في المغرب.
دولة ديمقراطية بملكية دستورية
كانت مسؤولية محمد الخامس من خلال هذا الإعلان هي تشكيل حكومة لإعداد الإصلاحات المؤسسية التي تجعل المغرب دولة ديمقراطية بملكية دستورية.
لكن هذه المشروطية الديمقراطية لم تكن تعكس اهتمام المستعمرين السابقين بحقوق المغاربة،
بل كانت تهدف إلى ضمان بيئة ملائمة للحفاظ على مصالحهم في المغرب.
توجد رواية شهيرة من الصحافي الراحل عبد اللطيف جبرو تتعلق بالتدخل الحاسم للزعيم الوطني عبد الرحيم بوعبيد في اللحظات الأخيرة قبل توقيع الإعلان، حيث طالب بتضمينه اعترافاً فرنسياً واضحاً بإنهاء العمل بمعاهدة الحماية، حتى لا يعود محمد الخامس إلى المغرب مقيّداً بشروطها.
وبالرغم من أن هذه الوثيقة ليست اتفاقية أو معاهدة، إلا أن أهميتها تكمن في كونها وضعت الإطار الذي حكم المفاوضات في إيكس ليبان لاحقاً، وأثرت على العلاقات المغربية الفرنسية بعد الاستقلال، والتي استمرت فيها الهيمنة الفرنسية على المغرب.
يمكننا الآن أن نفهم البعد الاستراتيجي للتحول الجاري في العلاقات المغربية الفرنسية، حيث لا يعني ذلك انتهاء الهيمنة الفرنسية، بل يشير إلى تغيّر في ميزان القوة، نتيجة لتحسن الأوضاع السياسية والاقتصادية في المغرب.
كما تجلى ذلك في الرسائل التي بعثها المغرب بمناسبة الذكرى 60 لإعلان “لاسيل سان كلو”، حيث أشار الملك إلى أهمية الروابط بين المغرب وفرنسا كحقيقة حية وأمل لمستقبل واعد.
الدعوة إلى تجديد الصداقة المغربية الفرنسية ظهرت بوضوح في كلمة مدير المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، محمد توفيق ملين، الذي ذكر أربعة تحديات يجب مواجهتها: التنافسية الاقتصادية، والتنمية المستدامة، والأمن، والهجرة.
وفي النهاية، تُعتبر زيارة الدولة التي قام بها ماكرون للمغرب، وإعلانه دعم السيادة المغربية على الصحراء، بداية تحول نوعي في العلاقات الثنائية. ويمكن توقع ملامح الإطار الاستراتيجي الجديد الذي بشر به ماكرون، الذي يتماشى مع التحديات التي طرحها مدير المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية قبل تسع سنوات.
على الرغم من الأخطاء التي تم ارتكابها وضغوط فرنسا، فإننا اليوم أمام مكتسبات وطنية، سواء في ملف الصحراء أو غيرها، تستحق الاعتراف، وتفتح الباب لمستقبل أكثر طمأنينة.
مقالة شاملة و مفيدة.. استمروا موفقين