رحل الضيف وبقيت غزة والغزيين

رحل الضيف وبقيت غزة والغزيين

إبانة24: متابعة

رحل الضيف وبقيت غزة والغزيين

في لحظة مفصلية مليئة بالرمزية، تلاقى حدثان متناقضان بشكل لا يمكن تخيله بسهولة: تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من غزة نحو مصر والأردن، وإعلان حركة حماس استشهاد قائدها العسكري محمد الضيف، الرجل الذي حمل عبء القضية الفلسطينية لسنوات طويلة بكل صبر وثبات.

هذا المشهد يعكس الصراع التاريخي الذي يمتد لأكثر من مائة عام، بين مشروع استعمار يحاول اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، وبين شعب يثبت تمسكه بأرضه باعتبارها جزءًا من هويته ووجوده.

مواقف ترامب لم تأتِ من فراغ، بل هي امتداد طبيعي لرؤية بدأت تتشكل منذ بداية رئاسته في 2017. فبعد طرح “صفقة القرن” التي كانت تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، عاد اليوم ليقدم اقتراحًا يقضي بتهجير سكان غزة كحل نهائي للنزاع المستمر.

من الواضح أن ما يعرضه ترامب هو تكرار لأساليب التاريخ الاستعماري، التي تسعى إلى خلق نكبة جديدة تكتمل فيها حلقات المشروع الصهيوني، عبر اقتلاع الفلسطينيين بشكل نهائي.

الرؤية التي يعرضها ترامب تتقاطع بشكل لافت مع أفكار اليمين المتطرف في دولة الاحتلال، فبعد احتلال 1967، بدأ التيار المتطرف في الكيان يحلم بتحويل غزة إلى “منطقة نظيفة” عبر تهجير سكانها إلى خارج فلسطين، سواء إلى سيناء أو الأردن.

الجديد في تصريحات ترامب هذه المرة هو أنه طرح هذا المشروع علنًا، معتمدًا على تهديدات مالية للدول العربية، كما كان الحال في “اتفاقات أبراهام” لتطبيع العلاقات.

لكن المفارقة تكمن في أن ترامب يتحدث عن “تطهير غزة” بعد أشهر قليلة من حملة تدمير صهيونية لم تترك شيئًا إلا ودمرته، وكأن الهدف من هذه الحرب لم يكن سوى إيجاد المناخ المناسب لطرح فكرة التهجير كحل نهائي.

أخطر ما في خطاب ترامب هو أنه يحول حلم الاقتلاع الذي كان محصورًا في أذهان المتطرفين الصهاينة إلى سياسة رسمية، مدعومة من الولايات المتحدة. وهذا يفتح الباب أمام تنفيذ أسوأ السيناريوهات، دون اعتبار للقانون الدولي أو لحقوق الفلسطينيين.

أما في الجهة الأخرى، فقد كان إعلان استشهاد محمد الضيف بمثابة تأكيد على أن الفكرة التي حملها طوال حياته لا يمكن القضاء عليها بالغارات أو الاغتيالات. الضيف، الذي قضى معظم حياته في الظل، نجا من عشرات محاولات الاغتيال ورفض الظهور علنًا، إلا أن استشهاده على أرضه يُعد تعبيرًا عن أن المقاومة الفلسطينية ستستمر، مهما تغيرت الظروف.

لم يكن محمد الضيف مجرد قائد عسكري، بل كان رمزًا للمقاومة الفلسطينية في غزة، فقد تحمّل مسؤولية القضية الفلسطينية على مدار عقود، وأصبح شخصيته أكثر من مجرد قائد، بل رمزًا للأمل والمقاومة في عيون الفلسطينيين، وحتى بعد استشهاده، ستبقى سيرته حية في الذاكرة الفلسطينية، مثلما كانت سيرة يحيى عياش وأحمد ياسين.

قد يظن البعض أن غياب الضيف سيترك فراغًا في صفوف المقاومة، لكن الحقيقة هي أن المقاومة الفلسطينية لا تعتمد على فرد واحد، بل هي فكرة حية وجذرية في الوجدان الفلسطيني. مثلما لم يُنه اغتيال عياش أو ياسين المقاومة، فإن استشهاد الضيف لن يوقفها.

أهم ما في اللحظة الحالية ليس غياب الضيف، بل التقاء السياسة الأمريكية مع الرؤية الصهيونية بشكل علني حول فكرة التهجير، وهي خطوة لم يصل إليها أي وقت مضى، دولة الصهاينة تدرك أن مشروعها الاستعماري لا يمكن أن يكتمل دون إنهاء غزة، وترامب الآن يقدم الدعم الدولي لهذا السيناريو.

مع أن الوضع العربي الرسمي يظهر عاجزًا عن مواجهة هذا المشروع، فإن الفلسطينيين سيظلّون يقاومون، فحتى وإن كانت الظروف الحالية مثالية لتحقيق المشروع الصهيوني، إلا أن إرادة الفلسطينيين ثابتة، والتجربة التاريخية أثبتت أن الفلسطيني لن يغادر أرضه بسهولة.

على الرغم من رحيل محمد الضيف، فإن معركة المقاومة الفلسطينية ستستمر، والتهجير الذي يروج له ترامب قد يبدو أقرب من أي وقت مضى، لكنه يظل معتمدًا على معادلة ثابتة: لا شيء يمكن أن يقتلع الفلسطيني من أرضه، لا القصف، ولا المجازر، ولا حتى الخطط السياسية المدعومة من الولايات المتحدة.

اقرأ أيضا:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top