وصية القائد السنوار.. حكاية صمود

وصية القائد السنوار .. حكاية صمود

إبانة24: متابعة

وصية القائد السنوار .. حكاية صمود

أنا أبو إبراهيم، يحيى السنوار، ولدت وقتلت، وأطلقت الطوفان في شهر أكتوبر، ابن اللاجئ الذي حوّل مرارة الغربة إلى وطن مؤقت، وحوّل الحلم إلى مسار نضال دائم لا ينتهي.

في لحظات كتابتي لهذه الوصية، تتداعى في ذهني مشاهد من حياتي بأسرها: من طفولتي بين الأزقة الضيقة، إلى ليالي السجن الموحشة، إلى كل قطرة دم سالت على هذه الأرض التي حملت عبء التاريخ والذاكرة.

وُلدت في مخيم خان يونس عام 1962، في زمنٍ كانت فلسطين مجرد فكرة ممزقة بين خرائط سياسية متنازعة ومجالس تآمر. حياتي كانت وما تزال نسيجًا مشدودًا بين نار القهر ورماد الأمل، وأنا من تعلم منذ نعومة أظافره أن البقاء في ظل الاحتلال يعني مقاومة يومية، وحياة مشروطة بالصمود.

عرفت مبكرًا أن من يولد في هذا المكان ليس أمامه طريق عادي، بل طريق مليء بالمعاناة والتضحيات، تعلمت أن علينا أن نحمل في قلوبنا سلاحًا غير قابل للكسر، وأن نعي أن الحرية مطلب لا يتحقق بسهولة، بل هو طريق طويل تملأه أشواك الاحتلال والظلم.

وصيتي لكم هي البداية من حيث بدأتُ، من ذاك الطفل الذي ألقى أول حجر على المحتل، الحجارة ليست مجرد أدوات نضال؛ بل هي كلماتنا الأولى في وجه عالم صامتٍ عن جراحنا، في شوارع غزة، تعلمت أن الإنسان لا يقاس بعمره، بل بما يقدمه لوطنه، وهكذا سرتُ: سنوات من السجن والمعارك، الألم والأمل، كل ذلك نسج حياتي.

في عام 1988 دخلت السجن لأول مرة وحُكم علي بالسجن المؤبد، لكن حتى داخل تلك الجدران المظلمة، كنت أرى في كل زاوية نورًا للأمل، وفي كل قيد بداية جديدة لحرية ننتظرها، في السجن، تعلمت أن الصبر ليس فضيلة فحسب، بل هو سلاح لا يقل قوة عن أي سلاح آخر، وعلمني أن الحرية لا تأتي إلا بالصبر والجلد.

وصيتي لكم

وصيتي لكم ألا تهابوا السجون؛ فهي مجرد محطات في طريقنا الطويل نحو الحرية. علمتني تلك الزنازين أن الحرية ليست مجرد حق مغتصب، بل هي فكرة تولد من الألم وتصقل بالصبر. وعندما خرجتُ في صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011، خرجتُ بشخصية مختلفة، أكثر إيمانًا بأن نضالنا ليس مجرد صراع عابر، بل هو قدر نحمله حتى الرمق الأخير.

وصيتي لكم: تمسكوا بالسلاح والكرامة، ولا تتنازلوا عن الحلم. العدو لا يريد سوى كسر إرادتنا وتحويل قضيتنا إلى نزاعات تفاوضية لا تنتهي، لكنني أقول لكم: لا تفاوضوا على حقكم المشروع. العدو يخشى صمودكم أكثر مما يخشى أسلحتكم. المقاومة ليست مجرد رصاصة تطلق، بل هي حبٌ لفلسطين ورفضٌ للظلم.

تمسكوا بدماء الشهداء، فهم الذين عبدوا لنا طريق الحرية بدمائهم. فلا تفرطوا بتضحياتهم في حسابات السياسيين والمفاوضات العقيمة. نحن هنا لنكمل مسيرة الآباء والأجداد، ولن نحيد عن هذا الطريق مهما كلفنا الأمر.

عندما توليت قيادة حماس في غزة عام 2017، لم يكن الأمر مجرد انتقال للسلطة، بل استمرار لخط المقاومة، بداية بالحجر وتطورًا إلى البندقية. أدركت أن كل خطوة نحو الحرية تأتي بثمن، ولكنني أقول لكم: ثمن الاستسلام أكبر بكثير. تمسكوا بالأرض كما يتمسك الجذر بالتربة.

في معركة طوفان الأقصى، لم أكن مجرد قائد لجماعة أو فصيل، بل كنت صوتًا لكل فلسطيني يحلم بالحرية. أردت لهذه المعركة أن تكون فصلاً جديدًا من النضال الفلسطيني، حيث تتحد الفصائل جميعها تحت راية المقاومة، في وجه عدو لم يفرق يومًا بين كبير وصغير، أو بين شجر وحجر.

ما أتركه لكم ليس إرثًا شخصيًا، بل هو إرث جماعي لكل فلسطيني يحلم بالحرية. وصيتي الأخيرة لكم أن المقاومة ليست عبثًا، وليست مجرد رصاصة؛ بل هي حياة نحياها بشرف وكرامة. لقد تعلمت أن الشعوب التي ترفض الاستسلام تصنع معجزاتها بنفسها، وأن النصر لا يأتي إلا لأولئك الذين لا يتراجعون.

لا تنتظروا من العالم أن ينصفكم، فقد رأيت كيف يبقى صامتًا أمام مآسينا. كونوا أنتم إنصافكم، واحملوا حلم فلسطين في قلوبكم، واجعلوا من كل جرح قوة، ومن كل دمعة دافعًا للأمل.

أوصيكم بفلسطين، بالأرض التي عشقتها حتى آخر أنفاسي، وبالحلم الذي حملته على كتفي كجبل. إذا سقطتُ، فلا تسقطوا معي، بل احملوا راية الحق وواصلوا المسير. دعوا دمي يكون الجسر الذي يعبر عليه الجيل القادم، جيل أقوى يصنع من رمادنا طوفانًا جديدًا. الوطن ليس حكاية نرويها، بل هو حقيقة نعيشها، وكل شهيد يولد من رحم هذه الأرض يحمل في دمه ألف مقاوم.

وإذا عاد الطوفان ولم أكن بينكم، فتذكروا أنني كنت أول قطرة في موج الحرية، وأنني عشت لأرى نضالكم يمتد ويستمر.

اقرأ أيضا:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top