تشخيص السمنة: مقاربة جديدة تغيّر قواعد اللعبة الصحية

تشخيص السمنة مقاربة جديدة تغيّر قواعد اللعبة الصحية

إبانة24: متابعة

تشخيص السمنة مقاربة جديدة تغيّر قواعد اللعبة الصحية

تستخدم الطرق الطبية الحالية في تشخيص السمنة مؤشر كتلة الجسم (BMI) كأداة رئيسية، رغم كونه غير دقيق لتقييم الصحة أو المرض على المستوى الفردي. هذا الاعتماد قد يؤدي إلى أخطاء في التشخيص وما يترتب عليها من آثار سلبية على المصابين بالسمنة. في هذا السياق، يسعى العلماء إلى تطوير أساليب تشخيصية أكثر دقة.

وفي تقرير نشرته مجلة لانسيت للسكري والغدد الصماء، طرحت “لجنة السمنة السريرية” نهجًا مبتكرًا يعتمد على قياسات إضافية لتحديد السمنة، تشمل معدلات الدهون الزائدة في الجسم، إلى جانب العلامات والأعراض التي تعكس الحالة الصحية العامة.

ترأَّس اللجنة البروفيسور فرانشيسكو روبينو من كلية كينجز في لندن، وأبرز التقرير دور موقع “يوريك أليرت” في تسليط الضوء على محتوياته.

وضمت اللجنة 56 من أبرز الخبراء الدوليين في مجالات متعددة مثل الغدد الصماء، الطب الباطني، الجراحة، التغذية، والصحة العامة، إلى جانب ممثلين عن المرضى الذين يعانون من السمنة. كما أولت اللجنة اهتمامًا خاصًا بآثار التعريفات الجديدة للسمنة في مواجهة الوصمة المجتمعية المتفشية.

وأوصت اللجنة باعتماد وسائل تشخيصية أكثر شمولًا، مثل قياس محيط الخصر أو تحليل الدهون بشكل مباشر، إلى جانب مؤشر كتلة الجسم، لتقليل احتمالات التشخيص الخاطئ وتحسين دقة التقييم.

kotlat-jissm تشخيص السمنة: مقاربة جديدة تغيّر قواعد اللعبة الصحية

تصنيف جديد

أعلن المؤلفون عن تصنيف جديد يشمل فئتين تشخيصيتين للسمنة استنادًا إلى مقاييس موضوعية لتأثيرها على الصحة الفردية. الأولى هي “السمنة السريرية”، التي تشير إلى مرض مزمن ناتج عن تأثيرات مستمرة للسمنة على وظائف الأعضاء، والثانية “السمنة قبل السريرية”، التي ترتبط بمستوى متغير من المخاطر الصحية دون ظهور مرض مزمن.

وأكدت اللجنة على أهمية تقديم المشورة الصحية الشخصية والرعاية المبنية على الأدلة للأشخاص الذين يعانون من السمنة، بعيدًا عن الوصم أو إلقاء اللوم. كما أوصت باتباع استراتيجيات مختلفة تلائم كلًا من السمنة السريرية والسمنة قبل السريرية، بهدف تحسين جودة الرعاية الصحية وتخصيصها بما يتناسب مع احتياجات المرضى.

وقد صُمم هذا التصنيف الجديد لمعالجة القصور في التعريفات التقليدية للسمنة التي تعيق الممارسة الطبية وسياسات الرعاية الصحية. كما يسعى إلى توفير إطار طبي شامل لتشخيص المرض، والمساهمة في تسوية النقاش المستمر حول اعتبار السمنة مرضًا.

وأشار البروفيسور فرانشيسكو روبينو، رئيس اللجنة، إلى أن النقاش حول السمنة غالبًا ما يتسم بالتطرف، بين تصنيفها كمرض دائم أو نفي كونها مرضًا بالكامل. وأضاف أن الأدلة تظهر تعقيدًا أكبر، حيث يمكن لبعض المصابين بالسمنة الحفاظ على وظائف أعضائهم وصحتهم العامة، في حين يعاني آخرون من مشكلات صحية خطيرة.

وأوضح أن النظر إلى السمنة كعامل خطر فقط قد يؤدي إلى حرمان بعض الأفراد من الرعاية العاجلة، بينما يؤدي تعريفها كمرض شامل إلى الإفراط في التشخيص والاستخدام غير المبرر للأدوية والإجراءات الجراحية.

وأكد روبينو أن إعادة تعريف السمنة بشكل دقيق يسمح بتقديم رعاية مخصصة وشخصية. هذا يشمل العلاج المبكر للأشخاص المصابين بالسمنة السريرية، مع استراتيجيات وقائية موجهة لمن يعانون من السمنة قبل السريرية، مما يساعد في تحقيق توزيع عادل وفعّال لموارد الرعاية الصحية وتجنب التكاليف الزائدة والمخاطر غير المبررة.

الأساليب الحالية لتشخيص السمنة غير فعالة

تشير النقاشات الجارية بين الأطباء وصناع السياسات إلى القصور في الأساليب الحالية لتشخيص السمنة، حيث تعتمد بشكل كبير على مؤشر كتلة الجسم (BMI)، مما يؤدي إلى أخطاء في تصنيف الدهون الزائدة وتشخيص المرض.

يعتمد التصنيف التقليدي على مؤشر كتلة الجسم الذي يتجاوز 30 كغم/م² كمعيار لتحديد السمنة، ولكن اللجنة العلمية تؤكد أن هذا المقياس لا يقدم صورة دقيقة عن دهون الجسم أو توزيعها، ولا يعكس الحالة الصحية بشكل فردي.

وأشار البروفيسور روبرت إيكل من جامعة كولورادو أنشوتز إلى أن الاعتماد على مؤشر كتلة الجسم وحده يواجه مشكلات كبيرة، حيث يمكن أن يخفي المشكلات الصحية لدى بعض الأشخاص الذين يعانون من تخزين الدهون حول الأعضاء الحيوية، مثل الكبد أو القلب، مما يرفع مخاطر الإصابة بأمراض خطيرة. في المقابل، هناك أشخاص يمتلكون مؤشر كتلة جسم مرتفعًا لكنهم يحتفظون بوظائف صحية سليمة ولا يعانون من أمراض مزمنة.

ويعكس هذا الوضع الحاجة إلى إعادة النظر في النهج التشخيصي للسمنة، من خلال تطوير أدوات أكثر دقة تتيح فهمًا أعمق لتأثير الدهون على صحة الأفراد، بدلًا من الاعتماد على مؤشر كتلة الجسم كمقياس وحيد.

nisba تشخيص السمنة: مقاربة جديدة تغيّر قواعد اللعبة الصحية

ما وراء مؤشر كتلة الجسم

توصي اللجنة بإعادة النظر في الاعتماد الكامل على مؤشر كتلة الجسم (BMI) كمعيار لتشخيص السمنة، مع التأكيد على ضرورة استخدام وسائل إضافية لقياس كتلة الدهون وتوزيعها في الجسم. ورغم أن مؤشر كتلة الجسم أداة مفيدة للفحص الأولي، فإنه لا يعكس بدقة التفاصيل الفردية حول الدهون الزائدة وأماكن توزيعها.

تُقدم اللجنة بدائل تشمل:

  • قياس حجم الجسم إلى جانب مؤشر كتلة الجسم، مثل محيط الخصر أو نسبة الخصر إلى الورك أو نسبة الخصر إلى الطول.
  • استخدام قياسين على الأقل من مقاييس حجم الجسم، بغض النظر عن مؤشر كتلة الجسم.
  • قياس الدهون بشكل مباشر باستخدام تقنيات مثل فحص كثافة العظام أو تقنية DEXA، دون الاعتماد على مؤشر كتلة الجسم.
  • في الحالات التي يكون فيها مؤشر كتلة الجسم مرتفعًا جدًا (مثل >40 كغم/م²)، يمكن افتراض وجود دهون زائدة بشكل عملي دون قياسات إضافية.

إضافة إلى ذلك، طرحت اللجنة نموذجًا جديدًا لتشخيص السمنة، يقوم على تقييم المرض باستخدام مقاييس موضوعية تعكس تأثير الدهون الزائدة على الصحة الفردية، مما يتيح تشخيصًا أكثر دقة وشمولية.

فئتان جديدتان من السمنة

طرحت اللجنة نموذجًا مبتكرًا لتشخيص السمنة يعتمد على معايير موضوعية تُراعي تأثيرها الصحي على المستوى الفردي، مع تصنيف جديد يتضمن فئتين رئيسيتين:

السمنة السريرية

تُعرّف السمنة السريرية بأنها حالة مزمنة ناتجة عن زيادة الدهون في الجسم، والتي تؤدي إلى علامات أو أعراض تعكس انخفاض وظائف الأعضاء أو تقييد الأنشطة اليومية، مثل الاستحمام، اللباس، تناول الطعام، أو التحكم في التبول. يُعتبر الأشخاص المصابون بالسمنة السريرية في حالة مرضية مزمنة تتطلب تدخلات علاجية وإدارة دقيقة.

المعايير التشخيصية للسمنة السريرية

حددت اللجنة 18 معيارًا تشخيصيًا للسمنة السريرية لدى البالغين، من أبرزها:

  • ضيق التنفس الناتج عن تأثير الدهون على وظائف الرئتين.
  • قصور القلب بسبب السمنة.
  • آلام المفاصل، مثل الركبة أو الورك، المرتبطة بتصلب المفاصل وانخفاض الحركة كنتيجة مباشرة لتأثير الدهون الزائدة.
  • التغيرات العظمية والمفصلية لدى الأطفال والمراهقين، والتي تعوق الحركة.
  • مشكلات في أعضاء أخرى، تشمل الكلى، المجاري الهوائية العلوية، الأعضاء الأيضية، والجهاز العصبي والبولي والتناسلي، بالإضافة إلى تأثيرات على الجهاز الليمفاوي في الأطراف السفلية.

هذا التصنيف يعكس توجهًا جديدًا لفهم السمنة كمرض معقد ومتعدد الأبعاد، مما يُعزز دقة التشخيص ويُسهم في تقديم الرعاية المناسبة للأشخاص المصابين.

السمنة قبل السريرية

تشير السمنة قبل السريرية إلى حالة من السمنة حيث تبقى وظائف الأعضاء طبيعية، ولا يعاني الأفراد المصابون بها من مرض مزمن مستمر. ومع ذلك، فإنهم معرضون لخطر متزايد للإصابة بالسمنة السريرية وأمراض مزمنة أخرى مستقبلاً، مثل:

  • داء السكري من النوع الثاني
  • أمراض القلب والأوعية الدموية
  • أنواع معينة من السرطان
  • الأمراض العقلية

أهمية دعم المصابين بالسمنة قبل السريرية

أكد الدكتور غودن جاليا، عضو اللجنة ومن المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لأوروبا، على أن المعايير الجديدة التي وضعتها اللجنة توفر نقلة نوعية في تشخيص السمنة، حيث تمكن الأطباء من التمييز بدقة بين الصحة والمرض على المستوى الفردي. كما أشار إلى أن هذا الإطار الجديد، المدعوم من العديد من الجمعيات العلمية الدولية، يهدف إلى جعل التقييم السريري المنهجي للسمنة جزءًا أساسيًا من أنظمة الصحة العالمية.

العناية بالسمنة السريرية

بالنسبة للأشخاص المصابين بالسمنة السريرية، يجب أن يركز العلاج على استعادة أو تحسين وظائف الجسم المتضررة من الدهون الزائدة، وليس فقط على إنقاص الوزن. وتشمل الخيارات العلاجية:

  • تغيير نمط الحياة
  • العلاجات الدوائية
  • الجراحة

يُحدد نوع العلاج بناءً على تقييم فردي للمخاطر والفوائد وبالتشاور مع المريض لضمان خطة علاج مناسبة.

السمنة كمشكلة صحية قائمة بذاتها

أوضحت اللجنة أن السمنة السريرية، بصفتها مرضًا مزمنًا مستقلًا، يجب أن تكون مؤهلة للتغطية العلاجية من قبل شركات التأمين الصحي، دون الحاجة لإثبات وجود أمراض مصاحبة أخرى، مثل داء السكري من النوع الثاني.

يمثل هذا الإطار التشخيصي الجديد خطوة مهمة في دعم المصابين بالسمنة وتقديم رعاية شاملة تسهم في تحسين صحتهم العامة وتقليل مخاطر الأمراض المرتبطة بها.

اقرأ أيضا:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top