إلغاء عيد الأضحى .. رؤية ملكية تحاصر شناقة يتحكمون
في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها المملكة المغربية، جاء قرار الملك محمد السادس أمير المؤمنين كدليل واضح على الحكمة والحسم في اتخاذ القرارات المصيرية، حيث أهاب الملك بمختلف شرائح الشعب المغربي بعدم القيام بشعيرة ذبح الأضحية خلال عيد الأضحى لهذه السنة، نظرا للتراجع الكبير في أعداد الماشية وتداعياته السوسيو-اقتصادية، هذا القرار ليس مجرد خطوة دينية أو اجتماعية، بل هو تحرك استراتيجي يعكس رؤية شاملة للملك في إدارة الأزمات وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين.
أكد الملك محمد السادس في رسالته أنه من منطلق الأمانة الملقاة على عاتقه كأمير للمؤمنين، فإن الهدف الأساسي هو رفع الحرج والضرر عن المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود الذين قد يتأثرون بشكل مباشر بالظروف الاقتصادية الصعبة. وباستلهام قوله تعالى: “وما جعل عليكم في الدين من حرج”، أظهر الملك حرصه على أن تكون الشعائر الدينية ميسّرة وغير مشروطة بأوضاع اقتصادية معينة.
ولكن ما يميز هذا القرار هو البعد الإنساني الذي يحمله، فبدلا من ترك الأمر لكل فرد ليتحمل العبء بمفرده، أعلن الملك أنه سيقوم بذبح الأضحية نيابة عن الشعب المغربي، متمسكا بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال: “هذا لنفسي وهذا عن أمتي”. هذا التوجه يعكس روح التضامن والتآزر التي يجب أن تسود المجتمع المغربي، خاصة في الأوقات العصيبة.
على الجانب الآخر، لا يمكننا فصل هذه الرسالة الملكية عن السياق الاقتصادي الأوسع الذي يعيشه المغرب، فقد أصبحت الأسواق المغربية رهينة لهيمنة الوسطاء أو ما يُعرف بـ”الشناقة”، الذين يتحكمون في الأسعار ويستغلون الظروف لزيادة أرباحهم غير المشروعة، كما تشير تصريحات رئيس مجلس المنافسة، أحمد رحو، فإن القضاء على هؤلاء الوسطاء يعتبر أمرا مستحيلا في الوقت الحالي، مما يعني أن النظام الاقتصادي الحالي يعتمد بشكل كبير على وجودهم.
هذه الهيمنة ليست مجرد ظاهرة اقتصادية، بل هي نتيجة بنية سياسية-اقتصادية معقدة تجعل من الوسطاء أدوات لتحقيق استقرار اجتماعي وسياسي، فالوسطاء لا يكتفون بتضخيم الأسعار فقط، بل إنهم جزء من شبكة مصالح تعيد توزيع الثروة بما يتماشى مع توازنات السلطة القائمة، وبالتالي، فإن أي محاولة لكسر هذه الحلقة، مثلما حدث مع “مول السردين” في مراكش، تُقابل بقوة لأنها تهدد النظام القائم.
في ظل هذه المعطيات، يبرز دور الملك كقائد حاسم يعمل على تحقيق التوازن بين المصلحة الدينية والمصلحة العامة، حيث يدعو إلى التركيز على الطقوس الروحانية بعيدا عن الضغوط المادية، مشددا على أهمية صلة الرحم وإنفاق الصدقات كوسيلة لتقوية الروابط الاجتماعية والعائلية، هذه الرسائل تعكس رؤية الملك بأن الدين ليس مجرد شعائر شكلية، بل هو أسلوب حياة يقوم على الرحمة والعدل.
لكن الأهم هو أن يكون هذا القرار الملكي بداية لخطوات أكثر جرأة في إعادة هيكلة الاقتصاد المغربي، وخارطة طريق لحكومة تهاب “الشناقة” المضاربين في مصير المغاربة، فبدون إصلاح حقيقي يهدف إلى إنهاء هيمنة الوسطاء وتعزيز المنافسة الحرة، ستظل الأسواق رهينة لمصالح ضيقة، مما يؤدي إلى تعميق الفقر والتفاوت الاجتماعي.
إن غياب الإصلاح السياسي الحقيقي يهدد حتى أبسط مقومات الحياة اليومية للمغاربةـ فالنظم الاقتصادية التي تعتمد على الوساطة والمضاربة “تشناقت” تتحول إلى آليات لضبط المجتمع وإعادة إنتاج الولاءات السياسية، لذلك، يجب أن يكون هناك توجه جديد نحو بناء ديمقراطية حقيقية تضع الإنسان في صلب التنمية، وتمنح الدولة القدرة على ضبط الأسواق لصالح المواطنين بدلا من تركها رهنا لإرادة القلة.
إن رسالة أمير المؤمنين الملك محمد السادس ليست مجرد دعوة لتجاوز شعيرة دينية مؤقتا، بل هي نداء للتفكير في مستقبل أفضل يعتمد على العدل والمساواة، وفي ظل هذه التحديات، يبقى الملك قائدا حكيما يقود شعبه نحو بر الأمان، مسترشدا بالقيم الإسلامية السمحة.
اقرأ أيضا: