الشيخ بنحمزة يحسم الجدل .. شعيرة الأضحية بين الفتوى والسياسة الشرعية

الشيخ بنحمزة يحسم الجدل .. شعيرة الأضحية بين الفتوى والسياسة الشرعية

إبانة24: متابعة

الشيخ بنحمزة يحسم الجدل .. شعيرة الأضحية بين الفتوى والسياسة الشرعية

أكد الشيخ مصطفى بنحمزة، عضو المجلس العلمي الأعلى، أن النقاش الدائر حول مسألة إلغاء شعيرة الذبح في عيد الأضحى ينبغي أن يتم في إطاره العلمي الصحيح، بعيدًا عن التأويلات المتسرعة التي تخلط بين الأحكام الشرعية والسياسة الشرعية، وأوضح أن الفتوى ليست نصًا جامدًا، بل عملية اجتهادية تستوجب النظر في المصلحة العامة والواقع الاقتصادي والاجتماعي.

لا يُفتى ومالك في المدينة

وفي كلمة ألقاها بمسجد الإصلاح يوم 1 مارس 2025، انتقد الشيخ بنحمزة لجوء البعض إلى استيراد الفتاوى من سياقات مغايرة دون مراعاة الخصوصيات المحلية، مؤكدًا أن القاعدة الفقهية “لا يُفتى ومالك في المدينة” تُبرز أهمية أن يكون الإفتاء مستندًا إلى بيئته، وشدد على أن الفتوى ليست مجرد نصوص محفوظة، بل اجتهاد يتكيف مع الزمن والمكان والأوضاع المختلفة.

وأشار إلى أن السياسة الشرعية لطالما لعبت دورًا أساسيًا في تنظيم الشعائر الدينية بما يحقق مصالح المجتمع، مستدلًا بأن الصحابة والعلماء كانوا يراعون الظروف المحيطة عند إصدار الأحكام.

وأضاف: “الإفتاء ليس مجرد نقل نصوص، بل هو استيعاب لحقيقة الواقع ثم استنباط الحكم المناسب، وإلا فإنه قد يؤدي إلى اضطراب المجتمع وفوضى في الأحكام”.

دور الدولة في تنظيم الشعائر

أكد الشيخ بنحمزة أن للدولة دورًا مشروعًا في تنظيم الشعائر الدينية بما يخدم الاستقرار العام، مستشهدًا بحالات سابقة قامت فيها الحكومات الإسلامية باتخاذ قرارات تنظيمية للمصلحة العامة، وأوضح أن “التاريخ الإسلامي شهد تعطيل بعض الشعائر مؤقتًا بسبب الأوبئة أو الأوضاع الأمنية، مثل تعليق الحج في فترات معينة، وهو إجراء شرعي يستند إلى المصلحة وليس تعطيلًا لمقاصد الشريعة”.

وأشار إلى أن شعيرة الأضحية: “سنة مؤكدة وليست من أركان الإسلام، والمغاربة متجذرون في هذه العبادة عبر التاريخ، غير أن السياسة الشرعية تتطلب النظر إلى الظروف الخاصة بكل بلد عند اتخاذ القرارات المتعلقة بها”.

التعامل مع التحديات الاقتصادية

وتطرق رئيس المجلس العلمي الجهوي بالشرق إلى ضرورة التعامل الحكيم مع التحديات الاقتصادية التي قد تعيق بعض الأسر عن توفير الأضحية، معتبرًا أن التخطيط لهذه المسائل ليس خروجًا عن الدين، بل هو جزء من الفقه الواعي الذي يأخذ في الاعتبار مصلحة المجتمع بأسره، وأكد أن “السياسة الشرعية تهدف إلى تحقيق التوازن بين النصوص الشرعية والواقع المعيشي، وليس التعامل مع الأحكام بمعزل عن الظروف”.

كما أشار إلى أن الدول الإسلامية عبر العصور اضطرت إلى اتخاذ تدابير لتنظيم الموارد، مثل الغذاء والمياه والطاقة، وهذا لا يتناقض مع مبادئ الشريعة، بل يعكس مرونتها وقدرتها على مواكبة المستجدات.

الفتوى مسؤولية العلماء

حذَّر الشيخ بنحمزة من الفوضى الناجمة عن انتشار الفتاوى العشوائية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، معتبرًا أن “الفتوى تتطلب علمًا راسخًا بالشرع وفهمًا دقيقًا للواقع، ولا يمكن أن تصدر عن أشخاص يفتقدون لهذه المقومات”.

وأبرز أن مسؤولية الإفتاء في القضايا المصيرية يجب أن تبقى بيد المجالس العلمية والمؤسسات الدينية الرسمية، موضحًا أن “التعامل مع الشعائر يجب أن يكون بعلم راسخ، وليس مجرد نقل كلام دون ارتباط بالسياق”.

التفريق بين الفقه والسياسة الشرعية

أكد الشيخ بنحمزة أن هناك فرقًا جوهريًا بين الفقه العام والسياسة الشرعية، موضحًا أن العلماء ميزوا بين الأحكام النظرية والقرارات الشرعية التي تتخذ وفقًا للمصلحة العامة.

وأشار إلى أن هذا المفهوم ينطبق على شعيرة الأضحية، موضحًا أن “تنظيم الدولة لهذه الشعيرة لا يعني تعطيلها، بل يهدف إلى تحقيق مقاصد الشريعة، لأن السياسة الشرعية تُعنى بتحقيق المصالح ودفع المفاسد، وليس تنفيذ الأحكام بمعزل عن الواقع”.

أهمية الفهم الصحيح للفقه الإسلامي

دعا الشيخ بنحمزة إلى تعميق الفهم الفقهي والوعي بمقاصد السياسة الشرعية، مشيرًا إلى أن الجدل القائم حول تنظيم الأضحية يعود في جزء منه إلى ضعف الإدراك لهذه المفاهيم.

وأكد أن الحل يكمن في تعزيز التعليم الديني الصحيح، وإعادة الثقة في العلماء المؤهلين الذين يستطيعون تحقيق التوازن بين النصوص الشرعية ومتطلبات الواقع. وأضاف: “من أراد معرفة الحكم الشرعي الصحيح، فعليه اللجوء إلى أهل العلم، وليس إلى من يسعى وراء الإثارة الإعلامية أو تسجيل المواقف”.

وشدد على أن النقاش حول تنظيم الأضحية يجب أن يبقى ضمن إطاره العلمي، بعيدًا عن التأويلات المتسرعة والمزايدات الإعلامية، مؤكدًا أن “القرارات الشرعية يجب أن تكون مبنية على العلم، والفتاوى لا بد أن تراعي المصالح العامة، وإلا تحولت إلى سبب للفتنة بدل أن تكون وسيلة لتحقيق الاستقرار”.

اقرأ أيضا:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top