الملعب الجديد: من ملعب للشعب إلى صالون للنخب!
إبانة24: د.أحمد السالمي الملعب الجديد: من ملعب للشعب إلى صالون للنخب! ما لبثت أن أصبحت ليلة 5 شتنبر 2025 ليلةً أكثر مما هي مباراة، كانت نافذة مفتوحة على واقع جديد، لا يُحَدّ بحدود الملعب، بل يمتدّ إلى أعماق المجتمع. فالمشهد الذي قدّمه المركب الرياضي الجديد في الرباط لم يكن مجرد تدشين لملعب، بل كان إعلانًا صامتًا بتحول جذري في طبيعة العلاقة بين الدولة والمواطن، بين الشعب والرياضة، بين الكرة والجماهير. لا أحد ينكر أهمية الاستثمار في الرياضة، ولا نُخفي تطلعنا إلى أن يُكتب لمنتخبنا الوطني أن يخطو خطوات جديدة نحو تحقيق الحلم العالمي. لكن الحب الحقيقي للوطن لا يُعبّر عنه بالتصفيق فقط، بل بالجرأة على التصريح، بل بالصراحة المرة أحيانًا، والمناضلة من أجل تصحيح المسار. نعم، نُعجب بالإنجازات، ونُبدي سعادتنا بملعب يرقى إلى المعايير العالمية، ونتمنى أن تتكرر هذه التجربة في مدن أخرى، لكن ما يُؤسَف له أن الاحتفاء بهذه الإنجازات جاء على حساب الوعي النقدي، وغابت عن المشهد أبسط أشكال المسؤولية: التوقف عند التفاصيل التي تُخفي خلفها صراعات اجتماعية عميقة. أنا لم أكن يومًا من هواة المدرجات، لكنني، أثناء مشاهدة تلك المباراة، عادت لي ذكريات قديمة، حين كان بعض الأصدقاء يقص علينا قصصه عن محاولاته المتكررة لاقتحام الملاعب، مخاطرًا بالتوقيف، لكنه كان يُصرّ لأنه يحب الفريق، ويحب اللعبة، ويحب أن يكون جزءًا من الحدث. أما اليوم، فلم نعد نرى هذا الحماس الجماهيري. لم نعد نرى الجماهير التي تملأ المدرجات بصوت والحماس، بل وجدنا مدرجات تبدو وكأنها مسرح مغلق، مخصص للنخب لا للجماهير، فتذاكر المباراة أصبحت تُباع بأضعاف ما يستطيع المواطن العادي تحمله، والوصول إلى الملعب لم يعد ممكنًا دون سيارة خاصة، في وقت غابت فيه وسائل النقل العام. الملعب، الذي كان يومًا ما ملاذًا للشباب، ونافذة على الأمل، تحول اليوم إلى ساحة احتكار، يُمنع من دخولها إلا من يمتلك “الرمز المناسب”، من لباس، ووضع اجتماعي، ونمط استهلاكي، لم نعد نرى جماهير تصرخ، بل نرى جمهورًا يوثّق اللحظة على “الآيفون” وهواتف المترفين، ويُقدّمها كعرض أزياء أكثر منها ك مباراة رياضية. وأين هو الجمهور الحقيقي؟ أين صوت الشارع؟ أين هؤلاء الذين كانوا يومًا ما يصنعون أجواء الملعب من صوت ونار؟ غابوا، ليس لأنهم فقدوا الاهتمام، بل لأنهم طُرِدوا، بسياسات هادئة، لكنها صارمة، تُبقيهم خارج دائرة الحدث، خارج دائرة الانتماء. الدولة، التي تستثمر الملايير في بناء ملاعب، تنسى في المقابل أن تُبقي الكرة لعبة للجميع. فالملاعب الجديدة لم تعد تنعكس فيها صورة الشعب، بل صورة الطبقة التي تمتلك القدرة الشرائية، أو التي تمتلك القدرة على “الدعوة”. في حين نحن نشهد انسحابًا متزايدًا للدولة من مسؤولياتها الأساسية، تبدأ من الصحة والتعليم، وتمتد إلى الثقافة والرياضة، نرى كيف أن الملعب الجديد في الرباط، رغم جماله وبريقه، أصبح رمزًا لهذا الانسحاب، وليس رمزًا للانفتاح. إن ما حدث في تلك الليلة ليس مجرد تغيير في نمط الاستقبال، بل هو إعلان عن تحول عميق في طريقة فهم الدولة لعلاقة الشعب بالرياضة، بل بالحياة عمومًا. فالمباراة لم تكن فقط مباراة، بل كانت اختبارًا لمفهوم “العمومية”، ومدى انفتاح الدولة على جماهيرها. السؤال اليوم ليس كيف نبني ملاعب جديدة، بل كيف نُبقي الكرة لعبة للجميع، كيف نُبقي الملعب مساحة شعبية، كيف نُبقي الجمهور جزءًا لا يتجزأ من اللعبة، وليس مجرد مشاهد خلف حواجز. الدولة تحتاج إلى أن تُعيد النظر في أولوياتها، وتعيد تقييم مفهوم “الاستثمار”، فما قيمة ملعب لا يصل إليه الشعب؟ وما قيمة مباراة بلا جمهور؟ وما قيمة رياضة تُبعد الناس عنها بأسعارها وبروتوكولاتها؟. الرياضة لا تُبنى بالأسمنت فقط، بل تُبنى بالجماهير، وبالانتماء، وبالعدالة، ولا يمكن أن تُصبح أداة لتعزيز الفجوة الاجتماعية، بل يجب أن تكون جسرًا يُقرب الطبقات، ويُعيد توحيد الأمة حول قيم مشتركة. الوقت مازال يسمح لنا بالتوقف، والتفكير، وإعادة التوازن. المطلوب اليوم ليس تصفيقًا، بل تصحيحًا. ليس احتفالًا، بل إعادة توزيع، ليس تجميلاً للواجهة، بل إصلاحًا للجوهر. لأن الكرة ليست مجرد رياضة، بل هي سياسة، وثقافة، وهوية، ومن يفهم ذلك، عليه أن يعيد النظر في طريقة بناء الملاعب، وطريقة توزيع التذاكر، وطريقة التعامل مع الجمهور. الملعب ليس سوقًا، والجمهور ليس زبائن، والرياضة ليست بضاعة، هي جزء من نسيج اجتماعي لا يُعوّض، وجزء من هوية جماعية لا تُشتَرى. اقرأ أيضا: كاتغوّتي يحرك النقاش أين اختفت الحكومة؟؟.. المغاربة بين لهيب الأسعار وأزمة العطش جشع النفوذ وصراخ العدالة.. القاضية مليكة العمري في مواجهة مصير مؤلم نشرة انذارية حمراء.. أمطار رعدية قوية تهدد عدة أقاليم في المغرب اليوم أمطار غزيرة وزخات رعدية قوية تضرب عدة أقاليم.. تحذيرات بالأحمر والبرتقالي! هل تحمل قنبلة في جيبك؟ الهواتف الذكية تتحول إلى أدوات قتل صامتة! تغير في الأحول الجوية