الحرب على الإرهاب وتحييد العلماء -أكثر من 20 سنة من الإقصاء-

إبانة24: متابعة

الحرب على الإرهاب وتحييد العلماء -أكثر من 20 سنة من الإقصاء-

الذين لهم ذاكرة يعرفون تمام المعرفة أنه ما كاد يخبو رماد برجي التجارة إبانة الحادث الإرهابي الذي عرفته الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2001،

حتى طفقت أمريكا ومن معها باتهام ليس الجماعات المتشددة فهذا أمر يكاد عليه الاجماع بيننا وبينهم، وإنما عرف الاتهام هذه المرة وجهة الاسلام نفسه،

فلقد تعالت الصيحات وتناوبت التباريح على اتهام قرآن المسلمين وسنة نبيهم والصاق بهما كل صغيرة وكبيرة تهدد الحياة الإنسانية في مناكب الأرض كلها.

إنه اتهام مهد الطريق وأعطى للولايات المتحدة الأمريكية المسوغات التي جعلتها جسرا جويا وبريا وبحريا لطائراتها النفاثة،

ولسفنها الحربية الضخمة ولمدافعها ودبابتها الهالكة، مؤشرة على أكبر حملة عسكرية عرفها التاريخ المعاصر، إذ كان الضابط يومها “معنا أو ضدنا”

وليس بين (مع أو ضد) في منطق بوش الابن منطقة أعراف أو موقف متذبذب بين أولئك وهؤلاء.

ومن هنا حدوثة الحرب على الارهاب ما تلاها من محن وابتلاءات كانت مادتها الخام أرض المسلمين في أفغانستان والعراق وما عليهما من إنسان وعمران وحيوان.

المغرب وموقع الاستراتيجي

ولم يكن المغرب، بطبيعة الحال كدولة ذات موقع استراتيجي على خارطة العالم، استثناء من هذه الموجة العالمية،

فبعد سنتين على حادثة البرجين شهد المغرب أحداث ماي 2003،

استفاقت فيها البلاد على وقع تفجيرات الدار البيضاء، فكانت نقطة تحول جوهرية في السياسة المغربية لمكافحة الإرهاب،

حيث تبنت الدولة نهجا شاملا، وإجراءات، أمنية والتشريعية والاجتماعية.

حيث تم سن ترسانة قانونية، وإصدار مجموعة من القوانين التي تستهدف الإرهاب وتمويله،

يضاف إلى ذلك، تعزيز الأجهزة الأمنية بفرق متخصصة لمكافحة الإرهاب،

مثل المكتب المركزي للأبحاث القضائية (BCIJ) الذي أصبح يلعب دورا محوريا في تتبع وتفكيك الخلايا الإرهابية.

مع هذا التوجه استغل الفصيل العلماني هذه الأحداث للضغط بكل قوته، وأدرعه المختلفة،

على الدولة لتصفية الحسابات مع بعض الأحزاب المعتدلة،

حيث كانت هناك دعوات صريحة لتفكيك حزب العدالة والتنمية، وتحييد العلماء وإقصاؤهم،

فقد اتخذ أحمد توفيق وزير الأوقاف في إطار جهود مكافحة “الإرهاب”،

نهجا مثيرا للجدل، ومجهول مصادر التوجيه، وهو تحييد العلماء والدعاة وإقصائهم من الساحة الدينية،

تحت مسمى محاربة “الإرهاب”، أو مخالفة الإسلام المغربي؟؟

حيث تم التضييق على مجموعة من العلماء المعتدلين، يدعون إلى منهج إسلامي معتدل، ولهم تأثير كبير في المجتمع،

من خلال تقييد حركتهم، ومنعهم من إلقاء المحاضرات والخطب، وأحياناً اعتقالهم أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية، وغلق عدد من دور القرآن،

التي كانت تخرج العشرات من الحفظة كل سنة، هذا التوجه التوفيقي-التوقيفي أثار جدلا واسعا، وأبسط ما يقال عنه أنه تجلي صارخ للقمع،

ومصادرة وانتهاك لحرية التعبير وحرية الدين، مما يثير تساؤلات حول مدى مصداقية هذه السبل في مكافحة التطرف والإرهاب، وهل فعلا هي تحاربه أم تصفي حسابات مع أشخاص معينين.

 إقصاء العلماء والفقهاء

إن إقصاء العلماء والفقهاء وتحييدهم عن المجتمع المغربي أثر بشكل كبير على الساحة الدينية والتدين في المغرب،

وترك فراغا كبيرا، حيث لاحظنا أنه تم ملء هذا الفراغ بأشخاص أقل تأثيرا، ونضوجا معرفيا، وتكوينا علميا معتبرا،

أو بدعاة يحملون أفكارا مختلفة قد لا تكون أكثر اعتدالا، كما أن الإقصاء خلق نوعا من الفوضى الفكرية والدينية،

حيث أصبح من الصعب على المواطن البسيط التمييز بين الخطاب الديني المعتدل والمتطرف، بل بين الخطاب السني والشيعي.

بعد أكثر من 20 سنة من إعلان المغرب حربه على الإرهاب والفكر المتطرف، وما صاحب ذلك من تجاوزات،

والتي من أبرز تجلياتها تحييد العلماء المعتدلين، يبقى السؤال حول فعالية هذا النهج على المدى الطويل، لأن إقصاء العلماء المعتدلين،

يترك الفراغ أمام الأفكار الشاذة، والمتطرفة، والجهل المركب،

ويعبد الطريق لكل هذا إلى عقول الشباب فتكون النتائج كارثية وعكسية، لا قدر الله.

إن الحرب على “الإرهاب” في المغرب تظل معركة متعددة الأبعاد، والمتدخلين،

الأمر الذي يتطلب توازنا دقيقا بين الإجراءات الأمنية والمنهج الديني والفكري،

فعلى الدولة أن تراجع سياستها في إقصاء العلماء المعتدلين، وتعمل على إشراكهم في توعية الشباب،

والأمة جمعاء لتعزيز الفكر المعتدل وتحصين المجتمع ضد التطرف بكل أنواعه، ولضمان مستقبل أكثر أمنا واعتدالا.

اقرأ أيضا:

قرار تاريخي و غير مسبوق من الفيفا
اللهم صيبا نافعا.. تساقطات رعدية بهذه الجهات
المدونة من يمعن في إقصاء العلماء من النقاش العمومي؟

السلطان عبد الحميد وأطماع الصهاينة في القدس

دور الحركة الصهيونية في سقوط الخلافة العثمانية

حكم غير متوقع في حق مستشار وزير العدل السابق

المدرسة المغربية ومسلسل الإصلاح.. متى ينتهي الارتباك؟

تسريبات تعديل المدونة ومطالب بفتح تحقيق

محلل المغربي بنيج على”بي إن سبورتس” ينفعل على المباشر بسبب مخرج نهائي الكونفدرالية (فيديو)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top