إبانة24: متابعة
بين حكومة أخنوش والطلاب: هل يشهد قطاع الصحة انهيارًا وشيكًا؟
في بلد يعتبره شعبه رمزًا للاستقرار، يبدأ العام الدراسي الجديد في كليات تكوين الأطباء والصيادلة،
لكنه يأتي محمّلًا بإرث سنة مضطربة لم تشهد أي دراسة أو تدريب، ويتجه نحو عام جديد لا يبدو أقل قتامة.
الحكومة قررت تقليص سنوات التكوين الطبي، ولكنها بهذا القرار “أضافت” عامًا ضائعًا آخر، وتستعد لافتتاح عام دراسي جديد،
لا تبدو فيه أي نية لتفادي ضياع جيل كامل من أصحاب الوزرات البيضاء.
هذا يحدث في وقت تعلن فيه الحكومة أنها تسعى لبناء دولة اجتماعية، وتعمل على تنفيذ مشروع ملكي لتعميم التغطية الصحية،
ونقل شريحة كبيرة من المواطنين من حالة الفقر الصحي إلى مظلة العلاج والرعاية.
ورغم أنها حكومة تزعم أنها وُلدت من “مسار الثقة”، إلا أنها تعجز عن إقناع طلاب الطب والصيدلة، القلقين بشأن مستقبلهم، بالعودة إلى مقاعد الدراسة والتدريب.
السؤال الذي يطرح نفسه: من سيتولى مهام التشخيص والعلاج والجراحة في المستقبل؟
قد يكون الحل في الذكاء الاصطناعي وخدمات التطبيب عن بُعد التي أصبحت متاحة في بعض الدول المتقدمة.
القرار أصبح واضحًا الآن، والتقصير في تكوين أطباء المستقبل أصبح حقيقة قائمة، مهما حاول المسؤولون إصلاح ما يمكن إصلاحه.
لا يعقل أن نعتبر سنة كاملة من الدراسة والتدريب مجرد رفاهية في مسار تكوين مختصين في واحدة من أكثر المهن أهمية وحساسية في المجتمع.
بعد تسعة أشهر من المراوغات والتناقضات، لم تتمكن الحكومة الثلاثية التركيبة من التراجع عن تعنتها، ولم تشعر بأي خجل من نفسها.
الحق الدستوري في الاحتجاج
منذ ديسمبر 2023، وطلاب الطب والصيدلة، الذين يُفترض أن يكونوا أطباء المستقبل، مستمرون في الاعتصام داخل إطار حقهم الدستوري في الاحتجاج،
مطالبين بضمانات تحمي مستقبلهم وتخفف مخاوفهم. وبعد صيف كان يجب أن يكون فرصة لإعادة بناء الثقة،
بدأ العام الدراسي الجديد بقرار أحادي الجانب لإجراء امتحانات في سنة خالية من الدروس، مما أدى إلى تفاقم الأزمة.
لو كانت الحكومة تتصرف بحسن نية، لكان بإمكانها فتح حوار مع الطلاب المضربين، وربما حتى انتقاد بعض مواقفهم.
ولكن في ظل تصرفات غير مسؤولة من جانب الحكومة، نجد أنفسنا أمام مسؤولية سياسية تتطلب الاحتجاج والدفاع عن حقوق الطلاب، الذين يتم تهديدهم بطرق تعود إلى زمن القمع.
اليوم، بدلاً من حل الأزمة، تم اللجوء إلى “الهراوة”، وورقة الضغط من خلال حرمان الطلاب المضربين من حقهم في السكن الجامعي
وتهديدهم بعدم منحهم نتائج السنة الدراسية السابقة، مما يؤثر على المنح الدراسية المستحقة.
من يعتقدون أنهم يديرون أزمة محدودة يتوهمون، فما يحدث في قضية إضراب طلاب الطب والصيدلة هو تهديد لحقوقهم الأساسية في الاحتجاج والتنظيم،
وأيضًا تهديد لحق المجتمع في الحصول على خدمات طبية تضمن الحد الأدنى من الرعاية الصحية.
الحكومة تخوض معركة
المعركة التي تخوضها الحكومة ضد طلاب يطالبون بأبسط الحقوق تلخص الأزمة السياسية بأكملها، وتكشف عن فشل الحكومة في تقديم حلول أو إقناع هؤلاء الطلاب بالعودة إلى الدراسة.
كيف يمكن أن تعجز وزارتا التعليم العالي والصحة، وثلاثة فرق برلمانية، ومؤسسات دستورية، عن حل أزمة مع طلاب لا هم بالثوريين ولا المتطرفين؟
ربما يمكننا تجاهل الواقع الصعب، لكن لا يمكننا إنكار الفشل والعجز في تقديم حلول مقنعة، مما يضع طلاب الطب في موقف صعب ويجبرهم على التنازل عن حقوقهم.
المشهد الحالي يعكس أزمة سياسية خانقة، حيث تحولت خلافات بسيطة إلى معارك قوة غير مبررة من جانب الحكومة، التي تلجأ إلى وسائل العنف المشرع لهدف غير مشروع.
في النهاية، كيف يمكننا أن نثق في أطباء المستقبل لحماية صحتنا بينما فشلنا في حماية حقوقهم وأحلامهم؟
كيف سيكون حال الطبيب في المستقبل وهو يتذكر أنه عاش ظروفًا قاسية في مسكن جامعي غير لائق؟
كيف تُعدوننا بالحماية الصحية وأنتم تزرعون الخوف في قلوب من سيتولى مسؤولية الرعاية الصحية مستقبلاً؟