إبانة24: متابعة
طلبة الطب بين نار القرارات الحكومية ومصير التعليم الطبي المجهول
هل ما يحدث في كليات الطب والصيدلة حقيقة أم مجرد كابوس طويل الأمد يخنق الأجواء في المغرب منذ عشرة أشهر؟
حتى أكثر المتشائمين لم يتوقعوا أن تستمر الأزمة بهذا الشكل، ولا أن يصل الاحتقان إلى هذا الحد،
في ظل الصمت الذي يلتزمه مسؤولو وزارة التعليم، وثبات الحكومة على موقفها دون تغيير.
لنعد قليلاً إلى بداية الأزمة ونراجع تطوراتها، لنفهم كيف تزايدت تعقيداتها ولماذا بقيت تراوح مكانها، متغذية على التعنت والمواقف المتصلبة.
البداية كانت مع تطبيق الإصلاح البيداغوجي الجديد الذي قررت وزارة التعليم فرضه من أعلى، دون إشراك فعلي للمعنيين به.
وإذا كانت المبادئ الأساسية في رسم السياسات العامة تقتضي أن تكون احتياجات الفئة المستهدفة هي محور التخطيط،
وأن يتم التشاور مع ممثليهم قبل اتخاذ أي قرار، فإن الواقع هنا مختلف. فقد تجاوزت الوزارة كل هذه الأصول، واعتمدت سلطة القرار دون اعتبار لرأي الطلاب.
نجد أن المشهد يتكرر مع قرار دمج “الكنوبس” مع صندوق الضمان الاجتماعي، الذي أُعلن عنه دون استشارة المعنيين،
ليكشف عن تجاهل الوزارة لتداعيات الأزمة الطلابية السابقة في 2019.
وكنتيجة لذلك، أعلن الطلاب إضراباً مفتوحاً لا يزال قائماً حتى الآن، فيما يتحملون أعباء هذه المعركة الطويلة.
ما الذي أثار استياء الطلاب ودفعهم إلى رفض هذا الإصلاح؟ وفقاً للطلاب، لا يمكن ترك مصير تعليمهم الأكاديمي والمهني
بيد قرارات ارتجالية تسعى إلى تقليص مدة التكوين الأكاديمي والمهني دون تقديم ضمانات.
لا يعقل أن يُترك مستقبل النخبة المنتظرة لإصلاح القطاع الصحي تحت رحمة نظام تعليمي يعاني من اختلالات جوهرية، بدءاً من نقص التدريبات والإشراف، وانتهاءً بعدم توفر فرص التخصص الكافية وغياب التركيز على مجالات حيوية كطب الأسرة.
25 ألف طالب
وفي ظل هذه الظروف، يجد حوالي 25 ألف طالب أنفسهم في سباق يومي محموم بين قاعات المحاضرات والمستشفيات الجامعية،
في محاولة يائسة للاستفادة من التدريبات، فيما ينتظر ملايين المغاربة بحسرة مصير هذه الأزمة التي قد تؤدي إلى سنة دراسية بيضاء، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ التعليم الطبي بالمغرب.
ورغم تدخل العديد من الجهات، بدءاً من لجان برلمانية وأحزاب سياسية، وصولاً إلى مؤسسة الوسيط، إلا أن الأزمة لا تزال قائمة بالنسبة لطلبة الطب. فالوزارة تصر على تقليص سنوات الدراسة، مع استمرار القرارات العقابية ضد بعض الطلبة المشاركين في الاحتجاجات. كما أن الحكومة اقترحت إجراء امتحانات استدراكية بطريقة غير منصفة، في خطوة تُعتبر بمثابة إجبار للطلاب على القبول بالأمر الواقع.
في النهاية، تحمل الحكومة المسؤولية للطلبة وتبرر موقفها بالحفاظ على هيبة الدولة والكلفة السياسية للأزمة، متجاهلة حقيقة أن المواطنين هم مصدر الشرعية في النظام الديمقراطي.
من خلال التمحيص في إصرار الوزارة على موقفها، يبدو أن هناك محاولة لتغيير طبيعة الممارسة الطبية في المغرب، حيث يتجه العمل الطبي ليصبح خاضعاً لمنطق الربحية. فمع تزايد أعداد المستفيدين من التغطية الصحية، يُنظر إلى القطاع الصحي كفرصة للاستثمار المادي، وهو ما قد يؤدي إلى خصخصة الرعاية الصحية بشكل تدريجي.
ما هو مصير هؤلاء الطلبة؟ وهل ستتمكن الدولة من تحقيق التوازن بين هيبتها ومطالب نخبتها الشابة؟ نأمل أن يحمل المستقبل حلاً عادلاً يُرضي الجميع.