إبانة24: متابعة
حينما يتحول الأطباء إلى ضحايا: ضرب وسحل في شوارع الاعتصام
في واقعة صادمة استخدمت قواتنا الأمنية، التي من المفترض أن تكون معنية بحفظ النظام ومكافحة العنف والتجاوزات،
لتفريق وضرب مجموعة من خيرة الشباب ونخبة الوطن: طلاب الطب، الذين فقدوا فعلياً هويتهم كطلاب بعد انقطاعهم عن الدراسة والتدريب لأكثر من سنة كاملة.
كل يوم يمر على هذه الأزمة وكل ساعة تضيع من تعليم وتدريب نحو 17 ألف طبيب وطبيبة مستقبلية،
تزيد من رصيد فشل الحكومة وارتكابها لجريمة بحق المغرب والمغاربة.
إن الوصول بملف طلابي بسيط إلى هذا المستوى من الاحتقان والتصعيد، مع الاعتصام في الشوارع ليلاً والتدخل الأمني لتفريقهم،
يعكس حقيقة ما كنا نراه مجرد خطاب أيديولوجي أو “عدمي”؛ لكنه اليوم يبدو أكثر واقعية ومصداقية.
الخراب الذي نشهده الآن في مجال التكوين الطبي، الذي كان حتى وقت قريب يمثل إحدى الإنجازات النادرة للمغرب بعد الاستقلال بفضل الكفاءات الطبية المتخرجة منه،
يتجاوز مجرد فرض رؤية أو مبدأ حكومي. نحن أمام احتمالات مقلقة تشير إلى أن القرارات الرسمية قد تخضع لأطماع الرأسمالية الخاصة،
بهدف دفع الطبقة المتوسطة إلى اللجوء للجامعات الخاصة أو الخارجية، وبالتالي توفير العمالة التي تحتاجها الاستثمارات الخاصة في القطاع الطبي.
قرار إلغاء السنة السابعة
هذا ما يحدث الآن بسبب رفض مطالب بسيطة، منها قرار إلغاء السنة السابعة، الذي مهما كانت له مبررات، فإن عجز الحكومة عن تمريره بهدوء ومشاركة المعنيين فيه يجعله قرارًا فاشلاً.
لا يمكننا تكوين أطباء فقط لتهرب الدول الأجنبية بخدماتهم مجانًا، ولكن ينبغي أن نسأل أنفسنا: لماذا يهاجر الأطباء؟ ولماذا يهاجر الأطباء كما يهاجر المهندسون والتقنيون؟ بل حتى الفاشلون في التعليم؟ “حتى قط مكيهرب من دار العرس”، والوضع المادي المتاح للأطباء في بلادنا مخجل، بدلاً من محاولة منعهم من الهروب بقرارات قديمة كإلغاء السنة السابعة.
شباب اليوم لديهم مئات السبل للهروب إذا أرادوا، والأجدر بنا أن نتساءل عن السبب وراء هذا الهروب الكبير، بدلاً من أن ننتظر حتى نصل لمرحلة نقول فيها “اللي بقا يطفي الضو”.
إذا كانت ست سنوات من الدراسة تحرم أبناءنا من متابعة تعليمهم في أنظمة أخرى، خاصة الفرنكوفونية، فإن الصراع العالمي على العقول سيفتح لهم أبوابًا أخرى إذا كانت الدراسة هي العائق الوحيد أمام الهجرة.
ما يجرياليوم هو نتيجة لعناد وزير التعليم العالي وغموض وزير الصحة وانسحاب رئيس الحكومة، إلى جانب صمت النقابات والتنظيمات المهنية كأنهم متفقون على شيء ما في الخفاء.
إن استمرار هذه الأزمة يضع علامات استفهام كبيرة حول مستقبل التعليم الطبي، والمنظومة الصحية، والتوازن الاجتماعي في البلاد.
المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الجامعات ووزارتي التعليم العالي والصحة، حيث ساهم غياب الحوار الفعال في تعقيد الأمور. يجب على الجامعات تحسين بيئة التدريب لضمان استمرارية وجودة التعليم الطبي.
هؤلاء جميعهم يتحملون المسؤولية عن إهدار المال العام وتشويه جودة التعليم الطبي والخدمات الصحية التي ننتظرها من الحكومة. والنتيجة أن مصائرنا أصبحت في أيدي أطباء مثقلين بالهموم، بعدما وصل التدخل الأمني إلى عائلات الطلبة أيضًا.